كيف نوفق بين الالتزام بالاخلاق والتمتع بالحرية الفردية؟
كاتب الموضوع
رسالة
الوعد الصادق مشرف
عدد المساهمات : 163 تاريخ التسجيل : 11/02/2010
موضوع: كيف نوفق بين الالتزام بالاخلاق والتمتع بالحرية الفردية؟ السبت فبراير 20, 2010 4:28 pm
هناك بعض الأقوال التي تقول إن الأخلاق قيد للحرية الفردية، فكيف نوفق بين الالتزام بالأخلاق والتمتع بالحرية الفردية؟ - لدي جوابان على السؤال، الأول: يتعلق بكلمة "قيد"، فهي ليست بالضرورة سلبية إلا إذا كنا نستبطن مفهوما فوضويا للحرية، فمن ينطلق من الفلسفة الفوضوية للحرية مثل الفلسفة الباكونية أو الأنارشية مثلا، يرى أن كلمة "قيد" أساسا كلمة سلبية، أما إذا تبنينا مفهوما منضبطا وملتزما للحرية ومسئولا، فإن السؤال ليس: هل القيد جيد أو سلبي؟ ولكن: أي نوع من القيد هو الجيد؟ وأي نوع من القيد هو الرديء؟ والجواب الثاني: يتعلق بتصورنا للقيد، وأوضحه بمثال تقريبي: فلتتصور ماء متدفقا في الأرض، إذا قيدته من جنباته أعطاك نهرا متدفقا، ولكن إذا لم تضع له سدا مضى من الجبل إلى السهل إلى البحر، فهو نهر دفاق مبارك، ولنفترض أن النهر تكلم وكان فوضوي الفكر، وطالب بإزالة الحدين الأيمن والأيسر، وقتها سيصبح مستنقعات تشيع منها الملاريا وأنواع البعوض والدمار، ولضاع الماء وضاع الخير الذي ينتج عن الماء، ولتحول إلى شر على الأراضي الفلاحية والمنشآت. وبالتالي هل نتصور القيد بتصور النهر بجنباته أم كسد مانع؟ وحتى السد قد يصبح ضروريا في بعض الأوقات لتجميع الماء ليكون بحيرة للسقي والشرب وتوليد الكهرباء. فإذا كانت الأخلاق تضع قيودا خلاقة على الحرية من أجل ألا تكون الحرية مدمرة للذات، فإننا لن نقف عند لفظة القيد ولا نأبه لها، وهو ما نفسره أيضا بوقوفنا أمام الإشارة الحمراء في طريق المرور، فأنت عندما تقف عند الإشارة الحمراء، ليس لأن هناك عقلية تقييدية قاهرة ومتسلطة تريد إجبارك على فرملة سيارتك لحظة انطلاقتك المنتشية بسرعة الاندفاع بسيارة مكشوفة وشعر متطاير وجو رومانسي، ولكن الإشارة الحمراء توقفك إنقاذا لك من الذين يأتون في الاتجاه المتقاطع، والذين لهم الحق في أولوية المرور، وهي تحميك أيضا من انطلاقتك الرعناء التي تنتج الصدام المفضي إلى الموت والمقبرة. فالمشكلة أنه ليس أن نمارس القيد ولكن بأي معنى وفلسفة وبأية رؤية وخلف أي تصور نقف في مسألة التقييد أو عدم التقييد. ولم توضع القوانين -سواء كانت بشرية أو إلهية- من أجل تقييد مجال الحركة، ولكن لئلا تتحول الحرية إلى أنانية متمركزة على الذات، ملغية للآخر، وهي الحرية التي لا تؤمن بأن الآخر يمثل حدا طبيعيا لحركتك ونفوذك وحقك. والأخلاق بهذا المعنى هي التقييد النبيل للحرية؛ إذ يمكن أن يضع الإنسان نفسه في الجهة المقابلة كلما تحدث عن الحرية والانطلاق، لكي يرى كيف أنه سيطالب بالتوقف لكي تنطلق حريته هو وتتحقق ذاته ومصالحه أيضا. وبعد هذه التجربة من تاريخ الإنسانية لا يستطيع الإنسان إلا أن يعلم أن للحرية منطقا داخليا ويجب الاستجابة له، وهو المنطق الذي يجعل الحرية مسئولة ومنضبطة، ولكن الحديث يعود بنا إلى أهمية الإيمان بالوحي والتسليم بوجود الله عز وجل وجدوى الحاجة إلى التشريع من خارج الذات الإنسانية والعقل الإنساني وعدم "تأليه" الإنسان والعقل تبعا للتجارب الإنسانية الحديثة التي أوصلت البشرية إلى ما وصلت إليه من دمار. بقلم صحفي مغربي شكراً
كيف نوفق بين الالتزام بالاخلاق والتمتع بالحرية الفردية؟