موضوع: الجهل والمال والشهرة السبت فبراير 20, 2010 2:11 am
بشرى ايجورك الجهل والمال والشهرة
نقلا عن جريدة المساء المغربية العدد 956
حينما يلتقي الجهل بالمال والشهرة تنجب «الخلطة» أشخاصا غير أسوياء، تبدو سلوكاتهم وتصريحاتهم وأعمالهم نتاجا لهذه المعادلة الصعبة.. ينطقون بأي كلام، يسألون ويردون، يقدمون التفاهات ويصفقون لها ويدافعون عنها، لا يخجلون ولا يشعرون أساسا بمسؤوليتهم التاريخية تجاه أنفسهم ومجتمعهم.. وهذه الظاهرة عالمية، توجد في كل المجتمعات خصوصا مع تكاثر الفضائيات وبرامج المسابقات التي تخلق نجوما في خمسة أيام، والمجلات التي تضع على أولى صفحاتها فتيات عاديات باسم فنانات، هذه الفوضى تنتج مشاهير من نوع خاص يثيرون «ضجة» مزعجة ومستفزة بجهلهم وإسفافهم وثقتهم المرضية بنفوسهم وتكبرهم، حتى إنهم غالبا ما ينسون مستواهم الحقيقي وجهلهم فيظنون أن الأضواء الكاذبة التي سلطت عليهم بالخطأ أنارت وجوههم لأنهم أذكياء وعظماء، لذلك تجدهم يلاحقون المنصات أينما وجدت، يلقون الكلمات ويعطون التصريحات و«يتفلسفون» ويُنَظرون. إن الشهرة سيف ذو حدين، نعمة لمن يستحقها عن جدارة، يستفيد منها ويفيد بها، وهي كالسراب، كالوقت، كالعمر، كوهم الخلود.. طريق محفوف بالمخاطر، هدية ملغومة قد تنفجر في وجه من يستهين بها. هناك مشاهير تناقلت الأجيال سيرتهم لأنهم فعلا كانوا مميزين واستثنائيين، سلوكا وأخلاقا وثقافة ووعيا وحضورا وحبا للناس والبلد، عقلاء لم يخلدوا بسبب تسريحة شعرهم أو قوامهم بل لأنهم احتكموا إلى عقولهم وذكائهم ووطنيتهم وإحساسهم النبيل.. مشاهير بأسماء وهويات مختلفة عبر كل بقاع العالم، ثوار ومناضلون ومخترعون ومبدعون وسياسيون ورياضيون تركوا أسماءهم محفورة في تاريخ الإنسانية إلى الأبد لأنهم فكروا بعمق وصدق واستعانوا بالحدس وحققوا توازنا واكتفاء حقيقيا بأهداف راقية وسامية، لا يخرجون عن صمتهم إلا لينطقوا كلاما موزونا، قويا وصادقا تهتز له العقول والأفئدة وتستجيب.. مشاهير ونجوم ظهورهم حدث وحديثهم حدث وإنجازاتهم حدث.. مبدعون حقيقيون كرسوا حياتهم لخدمة القيم والمثل والقضايا الإنسانية إلى أن انطفأت أجسادهم ولم تنمح أسماؤهم وصورهم من ذاكرة الناس وقلوبهم. أما الجهلة ممن يستغلون الشهرة لجمع المال فقط وترويج السخافات ونشر الرذيلة وإفساد ذوق الناس، فحينما تنتهي لعبة الأضواء يختفون كأن لم يكونوا يوما، تلاحقهم اللعنة والمذلة والانكسار. المعرفة تنقل والجهل يتوارث ويُعدي، خصوصا إذا أحاط بك من كل صوب وسيطر على كل حواسك.. عيونك التي ترى وأذنك وما تسمع وكل وجدانك وما يستهدفه من صور وأصوات وأشكال وروائح. كيف لهذا الجيل المهووس بالصورة (والذي لا يفتح كتابا) أن يحصن نفسه ضد هؤلاء الدخلاء الذين يصبحون مثالا للنجاح والمال والشهرة، كيف نعلم أبناءنا فن التحدث والنقاش والجدل وهم يستمعون إليهم ويرونهم يصولون ويجولون ويثرثرون؟ كيف نُلقّنُهم ملكة التفكير والتأمل والتفريق بين الطموح والجشع وأبطالهم هؤلاء؟ كيف نجعلهم ينتظرون ويصبرون ويصغون بتأن ولا يتسرعون؟ كيف نحبب إلى أنفسهم الحياة المتوازنة المعتدلةونقِيهم أمراض الروح؟ كيف وقدوتهم هؤلاء المشاهير الجهلة ومن يدعمونهم .. كيف؟ إنها حرب أخرى جبهاتها عدة، مفتوحة على كل الواجهات والميادين، فهل من جنود لها وهل من أسلحة؟